مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلةٌ غير الصبر. وأمَّا صبره عن المعصية، فصبرُ اختيارٍ ورضًا ومحاربةٍ للنفس، ولا سيَّما مع الأسباب التي يقوى معها داعي المواقعة (1)، فإنَّه كان شابًّا وداعية الشباب إليها قويَّةٌ، وعزبًا ليس له ما يعوِّضه ويبرِّد شهوته، وغريبًا والغريبُ لا يستحيي في بلد غربته ممَّا يستحيي منه بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكًا والمملوكُ أيضًا ليس وازعه كوازع الحرِّ؛ والمرأةُ جميلة وذات منصبٍ وهي سيِّدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشدَّ الحرص، ومع ذلك توعَّدته إن لم يفعل بالسِّجن والصَّغار؛ ومع هذه الدواعي كلِّها صبر اختيارًا وإيثارًا لما عند الله. وأين هذا من صبره في الجبِّ على ما ليس من كسبه؟! (2)
وكان يقول: الصبر على أداء الطاعات أكملُ من الصبر عن (3) اجتناب المحرَّمات وأفضل، فإنَّ مصلحة فعل الطاعة أحبُّ إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدةَ عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية. وله في ذلك مصنَّفٌ قرَّره فيه بنحوٍ من عشرين وجهًا (4)، ليس هذا