
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ثمّ ينزل القلب منزل التّذكُّر وهو قرين الإنابة، قال تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ} [غافر: 13]، وقال: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8].
وهو من خواصِّ أولي الألباب، كما قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ (1) إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269].
والتّذكُّر والتّفكُّر منزلان يُثمران أنواع المعارف وحقائقَ الإيمان والإحسان، فالعارف لا يزال يعود بتفكُّره على تذكُّره، وتذكُّره (2) على تفكُّره، حتّى يفتح قفل قلبه بإذن الفتَّاح العليم. قال الحسن البصريُّ - رضي الله عنه -: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكُّر على التفكُّر، وبالتفكُّر على التذكُّر، ويناطقون القلوب حتّى نطقت (3).
قال صاحب «المنازل» - رحمه الله - (4): (التذكُّر فوق التفكُّر، لأنَّ التفكُّر طلب، والتذكُّر وجود).
يريد أنّ التّفكُّر التماس الغايات من مباديها، كما قال (5): (التفكُّر تلمُّس