
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أي: فطرهم منيبين إليه، فلو خُلُّوا وفِطَرَهم لما عَدَلتْ عن الإنابة إليه، ولكنَّها تُحوَّل وتغيَّر عمَّا فطرت عليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولودٍ إلّا يولد على هذه الملَّة (1) حتى يُعرِب عنه لسانُه» (2).
وقال عن نبيِّه داود عليه السلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)} [ص: 24].
وأخبر أنّ ثوابه وجنّته لأهل الخشية والإنابة فقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} [ق: 31 - 34].
وأخبر سبحانه أنَّ البشرى منه إنّما هي لأهل الإنابة فقال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} [الزمر: 17].
والإنابة إنابتان: إنابة لربوبيّته، وهي إنابة المخلوقات كلِّها، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33]، فهذا عامٌّ في حقِّ كلِّ داعٍ أصابه ضرٌّ، كما هو الواقع، وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام، بل تجامع الشِّرك والكفر، كما قال تعالى في حقِّ هؤلاء: {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: 33 - 34] فهذا حالهم بعد إنابتهم.