
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تفصيل وتمييز. وقد تقدَّم في أوَّل الكتاب (1) ذكرُ طرق الخلق في هذا الموضع، وبيَّنَّا طريقة أهل الاستقامة. فالنَّاس (2) أربعة أقسامٍ:
أحدهم: من لا يريد ربَّه ولا يريد ثوابَه، فهؤلاء أعداؤه حقًّا، وهم أهل العذاب الدائم. وعدم إرادتهم لثوابه إمَّا لعدم تصديقهم به، وإمَّا لإيثار العاجل عليه ولو كان فيه سخطه.
والقسم الثاني: من يريده ويريد ثوابه، وهؤلاء خواصُّ خلقه. قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29]، فهذا خطابه لخير نساء العالم أزواجِ نبيِّه.
وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]، فأخبر أنَّ السعي المشكور سعيُ من أراد الآخرة.
وأصرح من هذا قوله لخواصِّ أوليائه ــ وهم أصحاب نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ــ في يوم أحدٍ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]، فقسمهم إلى هذين القسمين اللَّذين لا ثالث لهما. وقد غلط من قال: فأين من يريد الله؟ فإنَّ إرادة الآخرة عبارةٌ عن إرادة الله وثوابه، فإرادةُ الثواب لا تنافي إرادة الله.
والقسم الثالث: من يريد من الله، ولا يريد الله. فهذا ناقصٌ غاية النَّقص.