مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة التبتُّل. قال الله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8].
والتّبتُّل: الانقطاع، وهو (تَفَعُّل) من البَتْل وهو القطع. وسمِّيت مريمُ «البتول» لانقطاعها عن الأزواج وعن نظراء زمانها (1)، ففاقت نساء الزّمان شرفًا وفضلًا وقُطعت منهنَّ.
ومصدرُ تبتَّل: «تبتُّلًا» كالتعلُّم والتفهُّم، ولكن جاء على التفعيل مصدرُ (تفَعَّلَ) (2) لسرٍّ لطيفٍ، فإنَّ في هذا الفعل إيذانًا بالتدريج والتكلُّف والتعمُّل والتكثير والمبالغة (3)؛ فأتى بالفعل الدالِّ على أحدهما، والمصدر الدالِّ على الآخر، فكأنه قيل: بتِّلْ نفسك إليه تبتيلًا، وتبتَّلْ أنت إليه تبتُّلًا؛ ففُهم المعنيان من الفعل ومصدره. وهذا كثيرٌ في القرآن، وهو من أحسن الاختصار والإيجاز.