
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الثاني
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: نبيل بن نصار السندي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 659
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
وإذا لم يكن بدٌّ من المحاكمة إلى الذوق فهلُمَّ نحاكمك إلى ذوقٍ لا ننكره نحن ولا أنت، غير هذه الأذواق التي ذكرناها.
فالقلب تعرض له حالتان: حالة حزنٍ وأسفٍ على مفقودٍ، وحالةُ فرحٍ وطَرَبٍ بموجودٍ، وله بمقتضى هاتين الحالتين عبوديَّتان. فله بمقتضى الحالة الأولى: عبوديَّة الرِّضاء وهي للسابقين، والصَّبر وهي لأصحاب اليمين. وله بمقتضى الحالة الثانية عبودية الشُّكر، والشاكرون فيها أيضًا نوعان: سابقون، وأصحاب يمينٍ. فاقتطعَتْه النفس والشيطان عن هاتين العبوديَّتين بصوتين أحمقين فاجرين، هما للشيطان لا للرحمن: صوت النَّدب والنِّياحة عند الحزن وفوات المحبوب، وصوت اللهو والمزمار والغناء عند الفرح وحصول المطلوب، فعوَّضه الشيطان بهذين الصَّوتين عن تلك العبوديَّتين.
وقد أشار النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى بعينه في حديث أنسٍ - رضي الله عنه -: «إنَّما نُهِيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت ويلٍ عند مصيبةٍ، وصوت مزمارٍ عند نعمة» (1).