
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
موارد الكتاب
استفاد المؤلف في كتابه من مصادر متنوعة حسب ما تقتضي الموضوعات، فعند ذكر الأحاديث المرفوعة يرجع إلى أمهات كتب الحديث، وينقل عنها ويسوق ألفاظها، مثل الكتب الستة و «المسند» و «الموطأ» و «صحيح ابن حبان» و «صحيح الحاكم» (أي: المستدرك) وغيرها، وقد قمنا ببيانها عند تخريج هذه الأحاديث في تعليقاتنا، ولا حاجة إلى سردها في هذه المقدمة. إلا أنه قد ينقل أحاديث بواسطة كتب أخرى كـ «السنن والأحكام عن المصطفى» للضياء المقدسي، فإنه قد نقل منه أحاديث «باب في كراهية المسألة» مستوفاةً ومرتَّبةً بنفس الترتيب والألفاظ، وهي أكثر من عشرين حديثًا (2/ 569 - 577). ولعله صدر عن «رياض الصالحين» في موضع (2/ 613).
أما أقوال الصحابة والتابعين في التفسير فقد اعتمد فيها على «تفسير البغوي» كما صرَّح به مرارًا، و «البسيط» للواحدي كما ظهر لنا بالتتبع ولم يصرِّح باسمه إلا مرةً واحدة (1/ 27)، وأحيانًا ينقل عن «تفسير الطبري» (3/ 503) وغيره من التفاسير المسندة في بعض المواضع، وهي قليلة.
وأما آثارهم في الزهد فينقلها من كتاب «الزهد» للإمام أحمد (2/ 223، 3/ 563، 4/ 22، 166) ومؤلفات ابن أبي الدنيا وغيرها.
وكان جلُّ اعتماده على «الرسالة القشيرية» في ذكر أقوال الصوفية، بل يسوق أحيانًا بعض الأحاديث المرفوعة باللفظ الوارد فيها، ويعزوها إلى كتب السنة الأخرى، انظر على سبيل المثال (2/ 459).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت