
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
توثيق نسبة الكتاب
للمؤلف كتابنا ثابت النسبة إلى مؤلفه ابن قيم الجوزية - رحمه الله -، ولم يشك في صحتها أحد فيما نعلم. وقد ذكر صاحب «كشف الظنون» (2/ 1640) كتابًا لابن الجوزي باسم «مدارج السالكين»، ولا ندري ما مصدره، وهو أيضًا لم يقف على نسخة منه ليذكر أولها. وقد رأينا أنه يحدث الخلط أحيانًا بين ابن الجوزي وابن قيم الجوزية، ولكن حاجي خليفة لم يخلط بين الكتاب الذي نسبه إلى ابن الجوزي وبين كتابنا الذي سمَّاه «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين»، فذكرهما كتابين مستقلين. هذا في حرف الميم، ثم ذكره مرة أخرى ضمن شروح «منازل السائرين». والدلائل على صحة نسبة الكتاب إلى ابن القيم متوافرة متظافرة، نذكر هنا جملة منها:
1) فأولها ذكرُه في ثبت مؤلفاته في كتب التراجم، وأهمُّ هذه الكتب: «ذيل طبقات الحنابلة» لتلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي، ذكره أولًا في ترجمة شيخ الإسلام الهروي (1/ 150)، ثم في ترجمة شيخه ابن القيم (5/ 135). وذكره الحافظ ابن حجر في «الدرر الكامنة» (5/ 139). وعلى كتابَي ابن رجب وابن حجر اعتمدت الكتب الأخرى في ذكر كتاب المدارج ضمن مؤلفات ابن القيم.
2) ومن الدلائل: إجماع نُسَخ الكتاب الخطية، القديمة منها والمتأخرة، على نسبته إلى ابن القيم.
3) ومنها ما اقتبسه العلماء من كتابنا مع الإحالة الصريحة عليه، وسيأتي ذكر هذه النقول في مبحث الصادرين عن الكتاب.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت