مدارج السالكين ج1

مدارج السالكين ج1

10249 14

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير 

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 610 

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

هذا المعنى الثاني الذي ظنَّ ابنُ القيم أنه هو الذي قصده الهروي أخذه من شرح التلمساني، فهذا تفسيره. ونص كلامه: «قوله: (وإن كان العبد قد كسي ثوبًا معارًا) يعني أن وجود العبد ما هو له، بل هو معار عنده، وإذا كان وجود العبد عارية عنده فكيف تكون أفعاله، أي هي أيضًا ثوب معار. وقوله: (فأحسن أعماله ذنب) يعني أن العمل الخالص هو ذنب، فكيف أدونه! لأن العبد العامل يعتقد أنه هو الفاعل، والفاعل في الحقيقة هو الحق تعالى. فإذن العامل يكون مذنبًا باعتقاده أنه هو الفاعل. فإذن العمل لا يخلص أبدًا من الذنب. فلذلك قال: (فأحسن أعماله ذنب) أي إذا خلص من الرياء ومن كل شيء يفسده اقترن به أمر آخر لا يمكنه الاحتراز منه وهو كونه يعتقد أنه الفاعل».

وقد نقد ابن القيم هذا التفسير بأن هذا ليس بذنب، ولا هو مقدور للعبد ولا مأمور ... إلخ. ثم ذكر إيرادًا بقوله: «فإن قيل: الشيخ - رحمه الله - هاهنا ما نطق بلسان الأبرار، بل بلسان المقربين ... ». وهو يشير إلى قول التلمساني: «ولست أقول: إن هذا المقدار هو ذنب في الشرع، بل هو حسنة للأبرار، وهو عند المقربين سيئة. فالمقرب يؤاخذ بنسبة الفعل إلى نفسه، والمؤمن لا يؤاخذ بذلك لأن قسطه من السنة المحمدية هو ما جاء به العلم، وأما المقرَّب فقسطه من السنة المحمدية ما جاء به التعرف ... ». وردَّ عليه ابن القيم بأن «هذا أيضا باطل قطعًا، بل المعرفة الصحيحة مطابقة للحق في نفسه شرعا وقدرا، وما خالف ذلك فمعرفة فاسدة ... ».

ثم ذكر إيرادًا آخر: «فإن قيل: كلامكم هذا بلسان العلم. ولو تكلَّمتم بلسان الحال لعلمتم صحَّة ما ذكرناه، فإنَّ صاحب الحال صاحبُ شهودٍ،

الصفحة

52/ 129

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ربِّ يسِّرْ (1)

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.

فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.

وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت

الصفحة

3/ 610

مرحباً بك !
مرحبا بك !