مدارج السالكين ج1

مدارج السالكين ج1

10268 14

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير 

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 610 

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

وتعبُّدٌ باسمه البَرِّ اللطيفِ المحسنِ الرفيقِ، فإنَّه رفيقٌ يحبُّ الرِّفق، وفي «الصحيح»: «ما خيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلَّا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا»؛ لِما فيه من روح التعبُّد باسم الرفيق اللطيف، وإجمام القلب به لعبوديَّةٍ أخرى، فإنَّ القلب لا يزال يتنقَّل في منازل العبوديَّة، فإذا أخذ بترفيه رخصةِ محبوبه استعدَّ بها لعبوديَّةٍ أخرى. وقد تقطعه عزيمتُها عن عبوديَّةٍ هي أحبُّ إلى الله منها، كالصائم في السفر الذي ينقطع عن خدمة أصحابه، والمفطر الذي يضرب الأبنية، ويسقي الرِّكاب، ويضمُّ المتاع؛ ولهذا قال فيهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر». وأمَّا الرُّخص التأويليَّة المستندةُ إلى اختلاف المذاهب والآراء التي تصيب وتخطئ، فالأخذ بها عندهم عين البطالة ومنافٍ للصِّدق».

قلنا: أما الفركاوي فلم يفعل شيئًا، قابل جملة الهروي بجملة أخذها من كلام الإسكندري. وكان الإسكندري موفقًا إذ فطن لما قد يذهب على السالك في فهم كلام الهروي، فنبَّه على أن لا يمتنع من الرخص التي شرعت لطفًا بالعباد كالفطر والقصر في السفر. وقد خلا كلام التلمساني - وتابعه القاساني- من هذا التنبيه. أما ابن القيم فقد فصَّل ما أوجزه الإسكندري، وذكر أن الرخص المشروعة لا تنافي الصدق أبدًا، وبيَّن ما فيها من الحكم والفوائد للسالك مستدلًّا بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولم ينس أن يشير إلى أن الرخص الراجعة إلى اختلاف المذاهب الفقهية أمرُها مختلفٌ، والأخذ بها منافٍ للصدق.

(4) الدرجة الثالثة من مدارج منزلة الصدق عند الهروي: (الصِّدق في معرفة الصِّدق. فإنّ الصِّدق لا يستقيم في علم أهل الخصوص إلَّا على حرفٍ

الصفحة

49/ 129

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ربِّ يسِّرْ (1)

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.

فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.

وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت

الصفحة

3/ 610

مرحباً بك !
مرحبا بك !