
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المذكورة نقدًا لأقوال الهروي إلا في شرح الإسكندري، وهو أقدم الشروح المذكورة وأحسنها مع وجازته.
قد استغرقت منزلة الصدق في طبعتنا نحو 30 صفحة. وافتتحها ابن القيم على منهجه بكلام مستقل على الصدق ومنزلته وأهميته مستشهدًا بآيات القرآن الكريم، وذكر الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال، ثم فسر خمسة أمور ذكرت في القرآن الكريم: مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق. وتطرّق بعد ذلك إلى بعض علامات الصدق. ثم عقد فصلا في «كلمات في حقيقة الصدق» نقل فيها أقوال المشايخ في الصدق من «رسالة القشيري» مع شرح ما أشكل منها كقول الجنيد: «الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة، والمُرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة»، شرحه في نحو ثلاث صفحات. وهكذا لما استدلَّ بعضهم على قوله: «الصادق: الذي يتهيأ له أن يموت ولا يستحيي من سرّه لو كشف» بقوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ذكر الأقوال في تفسير الآية وما هو المختار عنده. وبعد هذا الكلام المستقل على منزلة الصدق، الذي استغرق نحو 15 صفحة، توجه إلى كلام الهروي على منزلة الصدق، فشرحه أيضا في 15 صفحة.
فإذا رجعنا إلى الشروح الأخرى وجدنا تفسير هذه المنزلة في شرح الإسكندري في صفحتين ونصف صفحة (89 - 92)، وفي شرح الفركاوي في أقل من صفحتين (57 - 58)، وفي شرح التلمساني في ستّ صفحات (241 - 246)، وفي شرح القاساني نحوها (221 - 227).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت