
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
هو الذي سماها: «مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين الشرح (بشرح؟) منازل السالكين (كذا) للشيخ شمس الدين ... ». وهي الجزء الثاني من الكتاب، أما الجزء الأول منها برقم 8991 فعنوان الكتاب فيه: «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين». أما العنوان الثاني، وهو «مدارج السالكين في منازل السائرين»، فسمي به الكتاب في عدة نسخ نفيسة أحسنُها نسخة قيون أوغلو، ولم يصل إلينا منها إلا المجلد الأول. هذه النسخة مقروءة على المؤلف، ولكن العنوان المذكور الوارد في أول النسخة وآخرها كتب بعد وفاة المؤلف. وفي أسفل صفحة العنوان عشرة أبيات في مدح الكتاب لابن أبي العِزّ الحنفي (ت 792) كتبها بخطه، أولها: صاحِ هذي مدارجُ السالكينا ... قد بدت في منازل السائرينا وقد نظم فيه ــ كماترى ــ العنوان الوارد في النسخة. وهذه الأبيات واردة بخطه في أول نسخة حلب أيضًا. وفي آخر جزئيها أنها قوبلت على أصل مقابل بأصل مؤلفه مقروء عليه سنة 773. والظاهر أن ابن أبي العز هو الذي قابلها بنسخة قيون السابقة. أما العنوان الثالث، فإنه أيضًا ورد في نسخ قديمة، والغالب أنه من وضع المصنف. ولا غرو، فإن الكتاب شرح لمنازل السائرين للهروي، ومن ثم يسميه الحافظ ابن حجر وغيره اختصارًا: «شرح منازل السائرين». وبالتأمل في العناوين الثلاثة يبدو لنا أن العنوان الأول أقدمها، وهو يدل على أن الكتاب تأليف مستقلّ يدور حول منازل إياك نعبد وإياك نستعين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربِّ يسِّرْ (1)
الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلّا على الظّالمين. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، ربُّ العالمين، وإلهُ المرسلين، وقيُّومُ السّماوات والأرضين. وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين، الفارقِ بين الهدى والضَّلال، والغيِّ والرَّشاد، والشَّكِّ واليقين. أنزله لنقرأه تدبُّرًا، ونتأمّلَه تبصُّرًا، ونسعدَ به تذكُّرًا؛ ونحملَه على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدِّقَ أخباره ونجتهدَ على إقامة أوامره ونواهيه، ونجتنيَ ثمارَ علومه النّافعة الموصِلة إلى الله سبحانه من أشجاره، ورياحينَ الحِكَم من بين رياضه وأزهاره.
فهو كتابُه الدَّالُّ لمن أراد معرفته، وطريقُه المُوصِلةُ لسالكها إليه، ونورُه المبينُ الذي أشرقت له الظُّلمات، ورحمتُه المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات، والسَّببُ الواصلُ بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدُّخول، فلا يُغلَق إذا غلِّقت الأبواب.
وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذِّكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنُّزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء. لا تفنى عجائبه، ولا تُقلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالته (2). كلّما ازدادت