
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
محاسن المنظور إليه فلم يربَحْ إلَّا أذى السَّفَر، وغرَّر بنفسه في ركوب تلك البِيد (1) وما عرَفَ أنَّ راكبها على أعظم الخطَر! يا لها سفرةً لم يبلغ المسافر منها نواه (2)، ولم يضَعْ فيها عن عاتقه عصاه، حتّى قُطِعَ عليه فيها الطَّريق، وقعد له الرَّصَدُ (3) على كلِّ نَقْبٍ ومضيقٍ. لا يستطيع الرُّجوعَ إلى وطنه والإيابَ، ولا له سبيلٌ إلى المرور والذَّهاب. يرى هَجِيرَ الهاجرة (4) من بعيدٍ فيظنُّه بردَ الشّراب، {مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ} [النور: 39]، وتيقَّن أنّه كان مغرورًا بلامع السَّراب!
تالله ما استوت هذه الذِّلّةُ وتلك اللَّذّةُ في القيمة فيشتريَها بها العارفُ الخبير، ولا تقاربا في المنفعة، فيتخيَّرَ بينهما البصير؛ ولكن على العيون غشاوةٌ فلا تفرِّقُ بين مواطن السَّلامة ومواطن العثور، والقلوبُ تحت أغطية الغفلات راقدةٌ فوق فُرُش الغُرور، {لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].
ومن أمثلة العدوان: تجاوزُ ما أُبيحَ من الميتة للضَّرورة إلى ما لم يُبَحْ منها، إمَّا بأن يشبَعَ وإنَّما أُبيح له سدُّ الرَّمَق، على أحد القولين في مذهب أحمد والشّافعيِّ وأبي حنيفة (5).
وأباح مالكٌ له الشِّبَعَ والتّزوُّدَ إذا احتاج إليه، فإذا استغنى عنها وأكَلَها