
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
ما في الكون، وكذبوا وتناقضوا! فإنّما أحبُّوا ما تهواه نفوسُهم وإرادتُهم، فإذا جاء في الكون ما لا يلائم أحدَهم ويكرهه طبعُه أبغَضَه ونفَر منه وكرِهَه، مع كونه مرادًا للمحبوب، فأين الموافقة؟ وإنّما وافقوا أهواءهم وإراداتهم!
ثمّ بنَوا على ذلك أنّهم مأمورون بالرِّضا بالقضاء، وهذه قضاؤه، فنحن نرضى بها، فما لنا ولإنكارها ومعاداة فاعلها، ونحن مأمورون بالرِّضا بالقضاء؟ فتركَّب لاعتقادهم كونَها محبوبةً للرَّبِّ، وكونَهم مأمورين (1) بالرِّضا بها: التّسويةُ بين الأفعال، وعدمُ استقباح شيءٍ منها أو إنكارِه.
وانضاف إلى ذلك اعتقادُهم جبرَ العبد عليها، وأنّها ليست فعله، فلزم عن ذلك (2) رفعُ الأمر والنّهي، وطيُّ بساط الشَّرع، والاستسلامُ للقدَر، والذَّهابُ معه حيث كان. وصارت لهم هذه العقائد مشاهدَ، وكلُّ أحدٍ إذا ارتاض وصفا باطنُه تجلّى له فيه صورةُ معتقده، فهو يشاهدها (3) بقلبه، فيظنُّها حقًّا! فهذا حال هذه الطّائفة.
وقالت القدريَّةُ النُّفاةُ: ليست المعاصي محبوبةً لله ولا مرضيّةً، فليست مقدّرةً له ولا مقضِيّةً، فهي خارجةٌ عن مشيئته وخلقه.
قالوا: ونحن مأمورون بالرِّضا بالقضاء، ومأمورون بسخط هذه الأفعال وبغضها وكراهتها، فليست إذن بقضاء الله، إذ الرِّضا والقضاء متلازمان، كما