مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. أي لا يُحمِّل المسيءَ عقابَ ما لم يعمله، ولا يمنع المحسنَ من ثواب عمله.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (1) [هود: 117] فدلَّ على أنّه لو أهلكهم مع إصلاحهم لكان ظلمًا. وعندهم يجوز ذلك وليس بظلمٍ لو فعَلَه. ويؤوِّلون الآية على أنّه سبحانه أخبر أنّه لا يهلكهم مع إصلاحهم، وعلِمَ أنّه لا يفعل ذلك، وخلافُ خبره ومعلومه مستحيلٌ، وذلك حقيقة الظُّلم (2). ومعلومٌ أنَّ الآيةَ لم يُقصَد بها هذا قطعًا ولا أريد بها، ولا تحتمله بوجهٍ، إذ يؤولُ معناها إلى أنّه ما كان ليهلك القرى بسبب اجتماعِ النّقيضين وهم مصلحون! وكلامُه تعالى يتنزَّه (3) عن هذا ويتعالى عنه.
وكذلك عند هؤلاء أيضًا، العبَثُ والسُّدى والباطلُ كلُّها هي المستحيلات الممتنعة التي لا تدخل تحت المقدور. واللهُ سبحانه قد نزَّه نفسَه عنها، إذ نسَبه إليها أعداؤه المكذِّبون لوعده (4) ووعيده، المنكرون لأمره ونهيه، فأخبر أنَّ ذلك مستلزمٌ (5) كونَ الخلق عبثًا وباطلًا، وحكمتُه وعزَّتُه تأبى ذلك. قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115].