مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
يُفرغه في غيره، فيبرد عند ذلك (1) أنينُه، وتسكن نفسُه. ويصيبه في ذلك نظير ما يصيب من اشتدّت (2) شهوته إلى الجماع فيسوء خلقُه، وتنغَلُ (3) نفسُه حتّى يقضي وطره. هذا في قوّة الشّهوة، وذاك في قوّة الغضب.
وقد أقام الله تعالى بحكمته السُّلطانَ وازعًا لهذه النُّفوس الغضبيّة، فلولا هو لفسدت الأرض وخرب العالم. {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]. وأباح (4) بلطفه ورحمته لهذه النُّفوس من الأزواج وملك اليمين ما يكسر حدّتها.
والمقصود: أنّ هذه النُّفوس الغضبيّة إذا اتّصلت بالمحلِّ القابل أثَّرت فيه. ومنها ما يؤثِّر في المحلِّ بمجرّد مقابلته له، وإن لم يمسَّه، فمنها ما يلتمس (5) البصَر، ويُسْقِط الحبَل.
ومن هذا: نظرُ العائن، فإنّه إذا وقع بصره على المَعِين حدثت في نفسه كيفيّةٌ سمِّيّةٌ أثَّرت في المَعِين بحسب عدم استعداده، وكونه أعزلَ من السِّلاح، وبحسب قوّة تلك النّفس. وكثيرٌ من هذه النُّفوس تؤثِّر في المَعِين إذا وُصِف له، فتتكيَّف نفسُه، وتقابله على البعد، فيتأثَّر به. ومنكر هذا ليس معدودًا من