مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (1) [الأنعام: 148]، وقولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} (2) [النحل: 35]، وقولَهم عن آلهتهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20]، وقولهم إذا فعلوا فاحشةً: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} (3) [الأعراف: 28]، فاحتجُّوا بإقرار الله لهم قدرًا وكونًا على رضاه ومحبّته وأمره، وأنّه لو كره ذلك لحال بينهم وبينه، ولما أقرَّهم عليه؛ فجعلوا قضاءَه وقدرَه عينَ محبّته ورضاه. ووَرِثهم مَن سوَّى بين المخلوقات ولم يفرِّقْ بالفرق النَّبويِّ القرآنيِّ.
وطائفةٌ من المشركين ذكرت ذلك معارضين لأمر الله ونهيه وما بعَثَ به رسلَه بقضائه وقدره، فعارضوا الحقيقةَ الدِّينيَّةَ الشَّرعيَّةَ بالحقيقة الكونيَّة القدريَّة. ووَرِثهم مَن يحتجُّ بالقضاء والقدر في مخالفة الأمر والنّهي.
وكلا الطّائفتين (4) أبطلت أمره ونهيه بقضائه وقدره.
وظنّت طائفةٌ ثالثةٌ أنّ إثباتَ القضاء والقدر يُبطل الشّرائع والنُّبوّات، وأنّ المشركين احتجُّوا على بطلانها بإثباته، فجعلت التّكذيبَ به من أصول