مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] (1). والنَّبأ هو: الخبر الغائب عن المخبِر إذا كان له شأنٌ. والتَّبيُّن: طلبُ بيان حقيقته والإحاطة بها علمًا.
وهاهنا فائدةٌ لطيفةٌ، وهي أنّه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه وشهادته جملةً، وإنّما أمَرَ (2) بالتَّبيُّن. فإن قامت قرائنُ وأدلّةٌ من خارجٍ تدلُّ (3) على صدقه عُمِل بدليل الصِّدق، ولو أخبر به مَن أخبر. فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته. وكثيرٌ من الفاسقين يصدُقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم، بل كثيرٌ منهم يتحرَّى الصِّدقَ غايةَ التَّحرِّي، وفسقُه من جهاتٍ أُخَر، فمثلُ هذا لا يُرَدُّ خبرُه ولا شهادتُه. ولو رُدَّتْ شهادةُ مثل هذا وروايته لتعطَّلت أكثَرُ الحقوق، وبطلت كثيرٌ من الأخبار الصَّحيحة، ولاسيَّما مَن فسقُه من جهة الاعتقاد والرّأي، وهو متحرٍّ للصِّدق، فهذا لا يُرَدُّ خبرُه ولا شهادتُه.
وأمّا مَن فسقُه من جهة الكذب، فإن كثُر منه وتكرَّر بحيث يغلب كذبُه على صدقه، فهذا لا يُقبَل خبرُه ولا شهادتُه. وإن ندَر منه مرّةً ومرَّتين، ففي ردِّ شهادته وخبره بذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد - رحمه الله - (4).