
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
فأخذ في أُهبة السّفر، فانتقل إلى منزلة "العزم"، وهو العقدُ الجازمُ على المسير، ومفارقةُ كلِّ قاطعٍ ومعوِّقٍ، ومرافقةُ كلِّ معينٍ ومُوصلٍ. وبحسب كمال انتباهه ويقظته يكون عزمُه، وبحسب قوّة عزمه يكون استعدادُه.
فإذا استيقظ أوجبت له اليقظةُ "الفكرةَ"، وهي تحديقُ القلب نحو المطلوب الذي قد استعدَّ له (1) مجملًا، ولمَّا يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه.
فإذا صحَّت فكرتُه أوجبت له "البصيرةَ"، وهي (2) نورٌ في القلب (3) يُبصر به الوعد والوعيد، والجنّة والنّار، وما أعدَّ الله في هذه لأوليائه، وفي هذه لأعدائه. فأبصر النّاسَ وهم قد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحقِّ، وقد نزلت ملائكةُ السّماوات فأحاطت بهم، وقد جاء الله، ونُصِبَ كرسيُّه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرضُ لنوره، ووُضِع الكتابُ، وجيء بالنبيين والشهداء، وقد نُصِب الميزان، وتطايرت الصُّحفُ، واجتمعت الخصومُ، وتعلَّق كلُّ غريمٍ بغريمه، ولاح الحوضُ وأكوابُه عن كثَبٍ، وكثر العطاشُ وقلَّ المواردُ (4)، ونُصِبَ الجسرُ للعبور، ولُزَّ النّاسُ إليه، وقسِّمت الأنوار