
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
أضاءت لهم نارُ الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقعَ الهدى والضَّلال، ثمَّ طفئ ذلك النُّورُ، وبقيت نارٌ تأجَّجُ ذاتُ تلهُّبٍ (1) واشتعالٍ، فهم بتلك النَّار معذَّبون، وفي تلك الظُّلمات يعمهون. {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17].
أسماعُ قلوبهم قد أثقَلَها الوَقْرُ فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيونُ بصائرهم عليها غشاوة العَمى فهي لا تُبصر حقائق القرآن، وألسنتهُم بها خَرَسٌ عن الحقِّ فهم به لا ينطقون، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18].
صابَ عليهم صيِّبُ الوحي وفيه حياة القلوب والأرواح، فلم يسمعوا منه إلّا رعدَ التَّهديد والوعيد والتَّكاليف التي وظِّفت (2) عليهم بالمساء والصَّباح. فجعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشَوا ثيابهم، وجدُّوا في الهرب والطَّلب في آثارهم والصِّياح. فنُودي عليهم على رؤوس الأشهاد وكُشفت حالُهم للمستبصرين، وضُرب لهم مثلان بحسب حال الطّائفتين منهم: النَّاظرين، والمقلِّدين، فقيل: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة: 19].
ضعفت أبصارُ بصائرهم عن احتمال ما في الصَّيِّب من بروق أنواره وضياء معانيه، وعجزت أسماعُهم عن تلقِّي رُعود وعيده (3) وأوامره