
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
أحدهما: قوله: "أَخْبِئوا عنه كبارَها". فهذا إشعارٌ بأنّه إذا رأى تبديلَ الصّغائر ذَكرَها وطمِعَ في تبديلها، فيكون تبديلُها أعظمَ موقعًا عنده (1)، وهو به أشدُّ فرحًا واغتباطًا.
والثّاني: ضَحِكُ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عند ذكر ذلك، وهذا الضَّحِكُ مُشْعِرٌ بالتّعجُّب ممّا يُفعَل به من الإحسان، وما يُقِرُّ به على نفسه من الذُّنوب من غير أن يقرَّر عليها ولا سُئل عنها، وإنّما عُرِضت عليه الصّغائر.
فتبارك الله ربُّ العالمين، وأجوَدُ الأجودين، وأكرَمُ الأكرمين، البرُّ اللَّطيفُ، المتودِّدُ إلى عباده بأنواع الإحسان وإيصالِه إليهم من كلِّ طريقٍ بكلِّ نوعٍ، لا إله إلّا هو الرَّحمن الرَّحيم (2).
فصل
وكثيرٌ من النّاس إنّما يفسِّر التّوبةَ بالعزم على أن لا يعاود الذَّنبَ، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالنَّدَم عليه في الماضي، وإن كان في حقِّ آدميٍّ فلا بدَّ من أمرٍ رابعٍ، وهو التّحلُّلُ منه.
وهذا الذي ذكروه بعضُ مسمَّى التّوبة بل شطرُها، وإلَّا فالتَّوبةُ في كلام الله ورسوله كما تتضمَّن ذلك، تتضمَّنُ العزمَ على فعل المأمور والتزامه. فلا يكون بمجرَّد الإقلاع والعزم والنّدم تائبًا، حتّى يوجدَ منه العزمُ الجازمُ على فعل المأمور والإتيان به. هذا حقيقة التّوبة، وهي اسمٌ لمجموع الأمرين، لكنَّها إذا قُرنت بفعل المأمور كانت عبارةً عمَّا ذكروه، فإذا أُفردت تضمَّنت