مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الأول
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي - سراج منير محمد منير
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 610
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)
مدارج السالكين في منازل السائرين
تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ - 751 هـ)
دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
والجنيد بن محمَّدٍ، وأبي عثمان النَّيسابوريِّ، ويحيى بن معاذٍ الرَّازيِّ؛ وأرفعَ من هؤلاء طبقةً مثل أبي سليمان الدَّارانيِّ، وعون بن عبد الله الذي كان يقال له "حكيمُ الأمّة" (1)، وأضرابهما؛ فإنّهم تكلَّموا (2) على أعمال القلوب وعلى الأحوال كلامًا مفصّلًا جامعًا مبيَّنًا مطلقًا، من غير ترتيبٍ، ولا حصرٍ للمقامات بعددٍ معلومٍ، فإنّهم كانوا أجلَّ من هذا، وهممُهم أعلى وأشرف. إنّما هم حائمون على اقتباس الحكمة والمعرفة، وطهارة القلوب، وزكاة النُّفوس، وتصحيح المعاملة. ولهذا كلامُهم قليلٌ فيه البركة، وكلامُ المتأخِّرين كثيرٌ طويلٌ قليل البركة.
ولكن لا بدّ من مخاطبة أهل الزّمان باصطلاحهم، إذ لا قوّة لهم للتَّشمير إلى تلقِّي السُّلوك عن السّلف الأول وكلماتهم وهديهم. ولو برز لهم هديُهم وحالُهم لأنكروه، ولعدُّوه سلوكًا عامِّيًّا، وللخاصّة سلوكٌ آخر، كما يقوله ضُلَّال المتكلِّمين وجَهَلتُهم: إنّ القوم كانوا أسلم، وإنَّ طريقنا أعلم (3)؛ وكما يقوله من لم يقدِر قدرَهم من المنتسبين إلى الفقه: إنّهم لم يتفرَّغوا لاستنباطه وضبط قواعده وأحكامه اشتغالًا منهم بغيره، والمتأخِّرون تفرَّغوا لذلك، فهم أفقه (4).