{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
اصطلاح القوم: فهو شخوصُ البصيرة إلى من صدرت عنه المتفرِّقاتُ كلُّها. وهو ثلاثة أنواعٍ: جمعُ وجودٍ ــ وهو جمعُ الزّنادقة من أهل الاتِّحاد ــ، وجمعُ شهودٍ، وجمعُ قصودٍ. فإذا تحرَّرت هذه الأقسام تحرَّر الجمعُ الصَّحيحُ والفاسد.
وكذلك الفرق ينقسم إلى صحيحٍ وفاسدٍ، أعني إلى مطلوبٍ في السُّلوك وإلى قاطعٍ عن السُّلوك. فالفرقُ ثلاثة أنواعٍ: فرقٌ طَبْعيٌّ (1) حيوانيٌّ، وفرقٌ إسلاميٌّ، وفرقٌ إيمانيٌّ، فهذه أقسامٌ ستَّةٌ للجمع والفرق.
فنذكر أنواع الفرق أوّلًا، إذ بها تعرف أنواع الجمع.
فأمّا الفرق الطَّبعيُّ الحيوانيُّ، فهو التَّفريق بمجرَّد الطَّبع والميل، فيفرِّق بين ما يفعله ولا يفعله (2) بطبعه وهواه. وهذا فرقُ الحيوانات وأشباهها من بني آدم، فالمعيارُ: ميلُ طبعه، ونفرةُ طبعه. والمشركون والكفّار وأهل الظُّلم والعدوان واقفون مع هذا الفرق.
وأمّا الفرقُ الإسلاميُّ، فهو الفرقُ بين ما شرعه الله وأمَر به وأحبّه (3) ورضيه، وبين ما نهى عنه وكرهه ومقَت فاعله. وهذا الفرقُ من لم يكن من أهله لم يشَمَّ رائحةَ الإسلام البتّة. وقد حكى الله سبحانه عن أهل الفرق الطَّبعيِّ أنّهم أنكروا هذا الفرق، فشهدوا الجمعَ بين المأمور والمحظور، فقالوا:
{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]
لا فرقَ بينهما، وقالوا: الميتة