{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ثمّ قال: وقد أخبر الله عن كلِّ رسولٍ من الرُّسل أنّه قال لقومه:
{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
وهذا أوَّلُ دعوة الرُّسل وآخرُها. قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«أُمِرتُ أن أقاتلَ النّاسَ حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنِّي رسولُ الله» (1).
وقال:
«من مات وهو يعلم أنَّه لا إله إلّا الله دخَلَ الجنّة» (2).
والقرآنُ مملوءٌ من هذا التّوحيد، والدَّعوةِ إليه، وتعليقِ النَّجاة والسَّعادة في الآخرة به. وحقيقتُه: إخلاصُ الدِّين كلِّه لله. والفَناءُ في هذا التّوحيد مقرونٌ بالبقاء، وهو أن تُثبت إلهيّةَ الحقِّ تعالى في قلبك، وتنفي إلهيّةَ ما سواه، فتجمعَ بين النّفي والإثبات. فالنَّفيُ هو الفَناء، والإثباتُ هو البقاء. وحقيقتُه: أن تفنى بعبادته عن عبادة ما سواه، وبمحبَّته عن محبَّة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه. وكذلك بموالاته، وسؤالِه، والاستعانةِ به، والتّوكُّلِ عليه، ورجائِه ودعائه، والتَّفويضِ إليه، والتّحاكُمِ إليه، واللَّجَأ إليه، والرّغبةِ فيه. قال تعالى:
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14].
وقال تعالى:
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام: 114].
وقال تعالى:
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164].
وقال تعالى:
{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ