النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} [يونس: 57].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} [يونس: 57].
ولا شيء أحقُّ أن يُفرَح به من فضلٍ (1) ورحمةٍ تتضمّن الموعظةَ وشفاءَ الصُّدور من أدوائها والهدى (2) والرّحمة. فأخبر سبحانه أنَّ ما آتى عباده من الموعظة التي هي الأمر والنهي، المقرون بالتّرغيب والتّرهيب؛ وشفاءِ الصُّدور المتضمِّن لعافيتها من داء الجهل، والظُّلمة (3)، والغيِّ، والسّفَه، وهو أشدُّ ألمًا لها من أدواء البدن، ولكنّها لمّا ألِفَت هذه الأدواء لم تحسّ بألمها، وإنّما يقوى إحساسُها بها عند المفارقة للدُّنيا، فهناك يحضرها كلُّ مؤلمٍ محزنٍ؛ وما آتاها من (4) الهدى الذي يتضمّن ثَلَجَ الصَّدر (5) باليقين، وطمأنينة القلب به، وسكون النّفس إليه، وحياة الرُّوح به؛ والرحمة التي تجلب لها كلّ خيرٍ ولذّةٍ، وتدفع عنها كلّ شرٍّ ومؤلمٍ= فذلك خيرٌ مما (6) يجمع النّاسُ من أعراض الدُّنيا وزينتها، أي هذا هو الذي ينبغي أن يُفرَح به، ومن فرح به فقد فرح بأجلِّ مفروحٍ به (7)، لا ما يجمع أهلُ الدُّنيا منها، فإنّه