«ما من نبيٍّ من الأنبياء إلّا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة».
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فأيُّ آيةٍ وبرهانٍ ودليلٍ أحسَنُ من آيات الأنبياء وبراهينهم وأدلّتهم؟ وهي شهادةٌ من الله سبحانه لهم، بيَّنها لعباده غاية البيان وأظهرها لهم غاية الإظهار بقوله وفعله.
وفي «الصحيح» (1) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال:
«ما من نبيٍّ من الأنبياء إلّا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيتُه وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة».
ومن أسمائه تعالى: «المؤمن»، وهو في أحد التَّفسيرين: المصدِّق الذي يُصدِّق الصّادقين بما يقيم لهم من شواهد صدقهم. فهو الذي صدَّق رسلَه وأنبياءه فيما بلَّغوا عنه، وشهد لهم بأنّهم صادقون بالدّلائل التي دلَّ بها على صدقهم قضاءً (2) وخَلْقًا، فإنّه (3) سبحانه أخبر ــ وخبرُه الصِّدق، وقولُه الحقُّ ــ أنّه لابدّ أن يُري العبادَ من الآيات الأفقيّة والنّفسيّة ما يبيِّن لهم أنَّ الوحي الذي بلَّغَته رسلُه حقٌّ، فقال تعالى:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}
أي القرآن، فإنّه هو المتقدِّم في قوله:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [فصلت: 52].
ثمّ قال:
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
فشهد سبحانه لرسوله بقوله: أنَّ ما جاء به حقٌّ، ووَعَده أن يُري العبادَ من آياته الفعليّة الخَلقيّة ما يشهد بذلك أيضًا. ثمّ ذكر ما هو أعظَمُ من ذلك وأجلُّ، وهو شهادته سبحانه على كلِّ شيءٍ، فإنَّ