مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فهذه الشّهادة العظيمة: كلُّ هؤلاء هم بها غيرُ قائمين. وهي متضمِّنةٌ لإبطالِ ما هم عليه وردِّه، كما تضمَّنت إبطالَ ما عليه المشركون وردَّه، وهي مبطلةٌ لقول طائفتي الشِّرك والتّعطيل. ولا يقوم بهذه الشّهادة إلّا أهل التَّوحيد والإثبات الذين يُثبتون لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصِّفات، وينفُون عنه مماثلةَ المخلوقات، ويعبدونه وحده لا يشركون به شيئًا. فصل وإذا كانت شهادتُه سبحانه تتضمَّن بيانَه للعباد ودلالتَهم وتعريفَهم بما شهد به ــ وإلّا فلو شهد شهادةً لم يتمكَّنوا من العلم بها لم ينتفعوا بها، ولم تقم عليهم بها الحجّة، كما أنَّ الشّاهدَ من العباد إذا كانت عنده شهادةٌ ولم يبيِّنها بل كتَمها لم ينتفع بها أحدٌ، ولم تقُم بها حجّةٌ ــ وإذا كان لا يُنتفع بها إلّا ببيانها، فهو سبحانه قد بيَّنها غايةَ البيان بطرقٍ ثلاثةٍ (1): السَّمع، والبصر، والعقل. أمّا السَّمْعُ، فيسمعُ (2) آياته المتلوّة القوليّة المتضمِّنة لإثبات صفات كماله ونعوت جلاله، وعلوِّه على عرشه فوق سبع سماواته، وتكلُّمِه بكتبه، وتكليمِه لمن شاء من عباده تكلُّمًا وتكليمًا حقيقةً لا مجازًا. وفي هذا إبطالٌ لقول من قال: إنّه لم يُرِد من العباد ما دلّت عليه آياتُه السَّمعيّةُ من إثبات معانيها وحقائقها التي وُضِعت لها ألفاظها، فإنّ هذا ضدُّ البيان والإعلام، ويعود على مقصود الشّهادة بالإبطال والكتمان. وقد ذمَّ الله