{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وذكر ابنُ السّائب (1) وغيرُه في سبب نزول الآية ما يشهد بذلك، وهو أنّ حبرين من أحبار الشّام قدما على النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينةَ بصفة مدينةِ النّبيِّ الذي يخرج في آخر الزَّمان! فلمّا دخلا على النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالا له: أنت محمّدٌ؟ قال: نعم. قالا: وأحمد؟ قال: نعم. قالا: نسألك عن شهادةٍ، فإن أخبرتَنا بها آمنَّا بك. قال: سلاني. قالا: أخبِرنا عن (2) أعظم شهادةٍ في كتاب الله. فنزلت:
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}
الآية. وإذا كان القيامُ بالقسط يكون في القول والفعل كان المعنى: أنّه سبحانه يشهد وهو قائمٌ بالعدل، عاملٌ به لا بالظُّلم. فإنَّ هذه الشّهادة تضمَّنت قولًا وعملًا، فإنّها تضمّنت أنّه هو الذي يستحقُّ العبادة وحده دون غيره، وأنَّ الذين عبدوه وحده هم المفلحون السُّعداء، وأنَّ الذين أشركوا به غيره هم الضَّالُّون الأشقياء. فإذا شهد قائمًا بالعدل ــ المتضمِّن جزاءَ المخلصين بالجنّة، وجزاءَ المشركين بالنّار ــ كان هذا من تمام موجَب هذه الشّهادة وتحقيقها، وكان قولُه:
{قَائِمًا بِالْقِسْطِ}
تنبيهًا على جزاء الشّاهد بها والجاحد لها. فصل وأمّا التّقدير الثّاني ــ وهو أن يكون قوله:
{قَائِمًا بِالْقِسْطِ}
حالًا ممّا بعد