بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى} [النحل: 76].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى} [النحل: 76].
فهذا مثلٌ ضربه الله سبحانه لنفسه وللصَّنم، فهو سبحانه الذي يأمر بالعدل، وهو على صراطٍ مستقيمٍ. والصَّنُم مثل العبد الذي هو كَلٌّ على مولاه، الذي (1) أينما يوجِّهه لا يأت بخيرٍ. والمقصود: أنّ قوله تعالى: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} هو كقوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وقوله: {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} نصبٌ على الحال. وفيه وجهان (2)، أحدهما: أنّه حالٌ من الفاعل في {شَهِدَ اللَّهُ}، والعامل فيه الفعلُ. والمعنى على هذا: شهد الله حال قيامه بالقسط: أنّه لا إله إلّا هو. والثّاني: أنّه حالٌ من قوله: {هُوَ}، والعاملُ فيها معنى النّفي، أي: لا إله إلّا هو حالَ كونه قائمًا بالقسط. وبين التّقديرين فرقٌ ظاهرٌ، فإنّ التّقدير الأوّل يتضمَّن أنّ المعنى: شهِد اللهُ متكلِّمًا بالعدل، مخبرًا به، آمرًا به، فاعلًا له، مجازيًا به: أنّه لا إله إلّا هو. فإنَّ العدل يكون في القول والفعل، والمقسطُ هو العادلُ في قوله وفعله، فشهِد الله قائمًا بالعدل قولًا وفعلًا: أنّه لا إله إلّا هو. وفي ذلك تحقيقٌ لكون هذه الشَّهادة شهادةَ عدلٍ وقسطٍ، وهي أعدلُ شهادةٍ، كما أنَّ المشهودَ به أعدَلُ شيءٍ وأصحُّه وأحقُّه.