{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 151 - 154]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
معه إلهًا. وهذا يفهمه المخاطب من هذا النّفي والإثبات، كما إذا رأيتَ رجلًا يستفتي أو يستشهد أو يستطِبُّ مَن ليس أهلًا لذلك، ويدَعُ مَن هو أهلٌ له، فتقول (1): هذا ليس بمفتٍ ولا شاهدٍ ولا طبيبٍ، المفتي فلانٌ، والشّاهد فلانٌ، والطّبيب فلانٌ؛ فإنَّ هذا أمرٌ منه (2) ونهيٌ.
وأيضًا فإنّ الآية (3) قد دلّت على أنّه وحده المستحقُّ للعبادة، فإذا أخبر أنّه هو وحده المستحقُّ للعبادة تضمَّن هذا الإخبارُ: أمرَ العباد (4) وإلزامَهم بأداء ما يستحقُّه الرَّبُّ تعالى عليهم، وأنَّ القيامَ بذلك هو خالصُ حقِّه عليهم، فإذا شهد سبحانه أنّه لا إله إلّا هو تضمّنت شهادتُه الأمرَ والإلزامَ بتوحيده.
وأيضًا، فلفظُ الحكم والقضاء يُستعمَل في الجمل الخبريّة، ويقال للجملة الخبريّة: قضيّةٌ وحكمٌ، وقد حُكِمَ فيها بكيت وكيت. قال تعالى:
{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 151 - 154]
، فجعل هذا الإخبارَ المجرَّدَ منهم حكمًا. وقال في موضعٍ آخر:
{(34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ