{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17].
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وقال الآخر: امتلأ الحوضُ وقال قَطْني ... مهلًا رويدًا قد ملأتُ بطني (1) ويسمّى هذا شهادةً أيضًا، كما في قوله تعالى:
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17].
فهذه شهادةٌ منهم على أنفسهم بما يفعلونه من أعمال الكفر وأقواله، فهي شهادةٌ بكفرهم، وهم شاهدون على أنفسهم بما شهدت به. والمقصود: أنَّه سبحانه يشهد (2) بما جعل آياته المخلوقةَ دالّةً عليه، فإنَّ دلالتها إنّما هي بخلقه وجعله، ويشهد بآياته القوليّة الكلاميّة المطابقة لما شهدت به آياتُه الخلقيّة، فتتطابق شهادةُ القول وشهادةُ الفعل، كما قال تعالى:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]
، أي أنّ القرآن حقٌّ. فأخبر أنّه يدلُّ بآياته الأفقيّة والنَّفسيّة على صدق آياته القوليّة الكلاميّة. وهذه الشّهادة الفعليّة قد ذكرها غيرُ واحدٍ من أئمّة العربيّة والتّفسير. قال