{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فتضمّنت هذه الآية: أجلَّ شهادةٍ وأعظمَها وأعدلَها وأصدقَها، من أجلِّ شاهدٍ، بأجلِّ مشهودٍ به. وعباراتُ السَّلَف في «شهد» تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار. قال مجاهدٌ: حكَمَ، وقضى. وقال الزَّجَّاج: بيَّن. وقالت طائفةٌ: أعلَمَ وأخَبَر (1). وهذه الأقوال كلُّها حقٌّ لا تنافي بينها، فإنَّ الشَّهادَة تتضمَّن كلامَ الشّاهد وخبرَه وقولَه، وتتضمَّن إعلامَه وإخبارَه وبيانَه. فلها أربعُ مراتب. فأوّل مراتبها: علمٌ ومعرفةٌ واعتقادٌ لصحّة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلُّمُه بذلك ونطقُه به، وإن لم يُعلِمْ به غيرَه، بل يتكلَّم بها مع نفسه ويذكرها وينطق بها أو يكتبها. وثالثها: أن يُعلِمَ غيرَه بما شهِد به، ويخبرَه به، ويبيِّنه له. ورابعها: أن يُلْزِمَه بمضمونها ويأمرَه به. فشهادةُ الله سبحانه لنفسه بالوحدانيّة والقيام بالقسط تضمَّنَت هذه المراتبَ الأربعة: علمَه سبحانه بذلك، وتكلُّمَه به، وإعلامَه وإخبارَه لخلقه به، وأمرَهم وإلزامَهم به. فأمّا مرتبة العلم، فإنَّ الشّهادةَ بالحقِّ تتضمّنها ضرورةً، وإلّا كان الشّاهدُ شاهدًا بما لا علم له به. قال الله تعالى:
{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].
وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«على مثلها فاشهد»
، وأشار إلى الشَّمس (2).