
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فإذا تمكّن العبد في حاله، وصار له إقبالة (1) على الله وجمعيّة (2) عليه ملَكَةً ومقامًا راسخًا= أنِسَ بالخلق وأنِسُوا به، وانبسطَ إليهم وحملهم على ضَلَعهم وبُطء سيرهم (3)، وعكفت (4) القلوبُ على محبّته للُطْفِه وظَرْفِه، فإنّ النّاس ينفرون من الثقيل (5) ولو بلغ في الدِّين ما بلغ!
ولله ما يجلبُ اللُّطفُ والظَّرفُ مِن القلوب، ويدفع عن صاحبه من الشّرِّ، ويسهِّل له ما توعّر على غيره! فليس الثُّقلاء بخواصِّ الأولياء، وما ثَقُل أحدٌ على قلوب الصّادقين المخلصين إلّا من آفةٍ هناك، وإلّا فهذه الطّريق تكسو العبدَ حلاوةً ولطافةً وظَرْفًا، فيُرى الصّادق فيها من أحلى النّاس وألطفهم وأظرفهم، قد زالت عنه ثقالة النّفس وكدورة الطّبع، وصار روحانيًّا سمائيًّا بعد أن كان حيوانيًّا أرضيًّا، فتراه أكرمَ النّاس عشرةً، وألينَهم عَريكةً، وألطفَهم قلبًا وروحًا، وهذه خاصّيّة (6) المحبّة، فإنّها (7) تلطّف وتظرّف وتنظّف.
ومِن ظَرْف أهل هذه الطّبقة: أن لا يظهر أحدُهم على جليسه بحالٍ ولا مقامٍ، ولا يواجهه إذا لقيه بالحال، بل بلين الجانب، وخفْضِ الجناح،