
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ألِفَ الخمولَ صيانةً وتستُّرا ... فكأنّما تعريفه أن يُنكرا
وكأنّه كَلِف الفؤاد بنفسه ... فحمَتْه غيرتُه عليها أن تُرى
قوله: (وأدبٌ فيهم يصونهم) بهذا يتمُّ أمرهم، وهو أن يقوم بهم أدبٌ يصونهم عن ظنِّ السّوء بهم، ويصونهم عن دناءة الأخلاق والأعمال، فأدبهم صوانٌ على أحوالهم، فهمّته العليّة ترتفع به، وأدبه يرسو به إلى التُّراب، كما قيل (1):
أبلجُ سهلُ الأخلاقٍ ممتنعٌ ... يبرزه الدّهر وهو محتجِبُ (2)
إذا ترقّت به عزائمُه ... إلى الثُّريّا رسا به الأدبُ
فأدب المريد والسّالك: صونٌ (3) له، وتاجٌ على رأسه.
قوله: (وظَرفٍ يُهَذِّبُهم) التّهذيب: هو التّأديب والتّصفية.
والظّرف في هذه الطّائفة أحلى من كلِّ حلوٍ، وأزين من كلِّ زينٍ، فما قُرِن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن من ظَرفٍ إلى صدقٍ وإخلاصٍ، وسرٍّ مع الله وجمعيّةٍ عليه، فإنّ أكثر مَن عُني بهذا الشّأن تضيقُ نفسُه وأخلاقُه عن سوى ما هو بصدده، فتثقُل وطأتُه على أهله وجليسه، ويَضَنّ عليه ببِشْرِه والتّبسُّط إليه ولين الجانب له. ولعَمْر الله إنّه لمعذورٌ، وإن لم يكن في ذلك بمشكورٍ، فإنّ الخلق كلّهم أغيارٌ، إلّا من أعانك على شأنك وساعدك على مطلوبك.