
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
العقل (1). وكلُّ معتقدٍ لأمرٍ جازمٍ به مستحسنٍ له يذوق طعمه. فالملحدُ يذوق طعمَ الإلحاد والانحلال من الدِّين، والرّافضيُّ يذوق طعمَ الرّفض ومعاداةِ خيار الخلق، والقدريُّ يذوق طعمَ إنكار القدر ويعجَب ممّن يثبته، والجبريُّ عكسه. والمشركُ يذوق طعم الشِّرك، حتّى إنّه ليستبشر إذا ذُكِر إلهُه ومعبودُه من دون الله، ويشمئزُّ قلبه إذا ذُكِرَ الله وحده.
وهذا الاحتجاجُ بالذَّوق قد سلكه أربابُ السَّماع المحدَث الشّيطانيِّ الذي هو محضُ شهوة النّفس وهواها، واحتجُّوا على إباحة هذا السَّماع بما فيه من الذّوق والوجد واللّذّة (2). وأنت تجد النّصرانيَّ له في تثليثه ذوقٌ ووجدٌ وحنينٌ، بحيث لو عُرِضَ عليه أشدُّ العذاب لاختاره، دون أن يفارق تثليثه، لما له فيه من الذَّوق!
وحينئذٍ، فيقال: هَبْ أنَّ الأمرَ كما تقول، وأنَّ المتكلِّمَ المنكِرَ (3) لم يتكلَّم بلسان الذَّوق، فهل يصحُّ أن يكون ذوقُ الذّائق لذلك حجّةً صحيحةً نافعةً له بينه وبين الله؟ وفرضنا أنّ هذا المنكِرَ قال: نعم، أنا محجوبٌ عن الوصول إلى ما أُنكِره (4)، غيرُ ذائقٍ له، وأنت ذائقٌ واصلٌ، فما علامةُ صحَّة ما ذقتَه ووصلتَ إليه؟ وما الدَّليل عليه؟ وأنا لا أُنكِرُ ذوقَك له ووجدَك به،