مدارج السالكين ج4

مدارج السالكين ج4

6354 2

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع

[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]

تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس -  نبيل بن نصار السندي -  محمد أجمل الإصلاحي

الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)

الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)

عدد الصفحات: 556

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

أجزاء الكتاب

مشاركة

فهرس الموضوعات

يبقى في صاحب هذه الجمعيّة موضعٌ للإشارة؛ لأنّ جمعيّته على المطلوب المراد أغنَتْه عن الإشارة إليه. وأيضًا فإنّ جمعيّته أفنته عن نفسه وإشارته، ففي مقام الفناء تنقطع الإشارة لأنّها من أحكام البشريّة. قوله: (وشخَصَ عن الماء والطِّين). هذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن يريد بالماء والطِّين بني آدم، ونفسُه من جملتهم. أي شخَصَ عن النظر إلى الناس والالتفاتِ إليهم وتعلُّقِ القلب بهم بالكلِّيّة. وخصَّهم بالذِّكر لأنَّ أكثرَ العلائق وأصعبَها وأشدَّها قطعًا لصاحبها هي علائقهم، فإذا شخَصَ قلبُه عنهم بالكلِّيّة، فعن غيرهم ممَّن هو أبعد إليه منهم أولى وأحرى. وفي ذكر الماء والطِّين تقريرٌ لهذا الشُّخوص عنهم، وتنبيهٌ على تعيُّنه ووجوبه، فإنَّ المخلوقَ من الماء والطِّين بشرٌ ضعيف، لا يملك لنفسه - ولا لمن تعلَّق به ــ جلبَ منفعةٍ ولا دفعَ مضرّةٍ، فإنَّ الماءَ والطِّينَ منفعلٌ لا فعَّالٌ، وعاجزٌ مهينٌ لا قويٌّ متينٌ، كما قال تعالى:

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: 11]

، وأخبر أنّه خلَقَنا

{مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8].

فحقيقٌ بابن الماء والطِّين أن يشخصَ عنه القلبُ، لا إليه؛ وأن يعوِّل على خالقه وحده، لا عليه؛ وأن يجعل رغبته كلَّها فيه وفيما لديه. المعنى الثاني الذي يحتمله كلامه: أن يشخَص عن أحكام الطبيعة السُّفليّة الناشئة من الماء والطِّين وعن متعلِّقاتها إلى أحكام الأرواح العلويّة. والله سبحانه ــ بحكمته وعجيب صنعه ــ جعل الإنسانَ مركّبًا من جوهرين: جوهرٍ طبيعيٍّ كثيفٍ وهو الجسم، وجوهرٍ روحانيٍّ لطيفٍ وهو

الصفحة

413/ 556

مرحباً بك !
مرحبا بك !