«ابكُوا، فإن لم تبكُوا فتباكَوْا» (1).

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
طائفةٌ: لا يسلَّم لصاحبه، لما فيه من التكلُّف وإظهار ما ليس عنده، وقومٌ قالوا: يسلَّم للصادق الذي ترصَّد لوجدان المعاني الصحيحة، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
«ابكُوا، فإن لم تبكُوا فتباكَوْا» (1).
والتحقيق: أنّ صاحب التواجد إن تكلَّفه لحظٍّ وشهوة نفسٍ لم يُسلَّم له، وإن تكلَّفه لاستجلاب حالٍ أو مقامٍ مع الله سُلِّم له، وهذا يُعرَف من حالِ المتواجد وشواهدِ صدقه وإخلاصه. فصل وقد تكلّم في «الوجود» الفلاسفة والمتكلِّمون والاتِّحاديّة بما هو أبعد شيءٍ عن الصواب: هل وجود الشّيء عين ماهيَّته أو غير ماهيَّته؟ أو وجود القديم نفسُ ماهيَّته ووجودُ الحادث زائدٌ على ماهيَّته؟ وكلُّ هذه الأقوال خطأٌ، وأصحابها كخابطِ عَشْواء. والتحقيق: أنّ الوجود والماهيّة إن أُخِذا ذهنيَّينِ فالوجود الذِّهنيُّ عين الماهيّة الذِّهنيّة، وكذلك إن أُخِذا خارجيّين اتَّحدا أيضًا، فليس في الخارج وجودٌ زائدٌ على الماهيّة الخارجة، بحيث يكون كالثوب المشتمل على البدن، هذا خيالٌ محضٌ. وكذلك حصول الماهيّة في الذِّهن هو عين وجودها، فليس في الذِّهن ماهيّةٌ ووجودٌ متغايرينِ (2)، بل إن أُخِذ أحدهما ذهنيًّا والآخر خارجيًّا، فأحدهما غير الآخر.