{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
والمثوبات بالجنايات والطّاعات؟
أوليس ذلك مقتضى الرِّسالة، وموجب الملك الحقِّ، والحكمة البالغة؟
نعم، مرجع ذلك كلِّه إلى المشيئة الإلهيّة المقرونة بالحكمة والرّحمة والعدل، والمصلحة والإحسان، ووَضْع الأشياء في مواضعها، وتنزيلها منازلَها، وهو سبحانه الذي جعل لها تلك المواضع والمنازل والصِّفات والمقادير، فلا تلبيسَ هناك بوجهٍ، وإنما التلبيس في إخراج الأسباب (1) عن موضوعها وإلغائها، أو في إنزالها غير منزلها، والغَيْبة بها عن مُسبِّبها وواضعها، وبالله التوفيق.
فصل
قال (2): (والتلبيس الثاني: تلبيس أهل الغَيرة على الأوقات بإخفائها، وعلى الكرامات بكتمانها (3)).
إطلاق «التلبيس» على هذه الدرجة ليس كإطلاقه على الدرجة الأولى، فإنّ التلبيس في هذه الدّرجة راجعٌ إلى فعل العبد، وفي الأولى إلى فعل الرّبِّ، ولهذا لمّا كانت تسمية الدّرجة الأولى تلبيسًا شنيعٌ (4) جدًّا، وطَّأَ له قوله تعالى:
{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]
، أي لا تستوحش من إطلاق ذلك على الله، فإنّه قد أطلقه على نفسه؛ وقد عرفتَ ما فيه.