مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وحواسِّها، من السمع والبصر والشمِّ والذوق واللّمس، فهو سبحانه الخالق لتلك الإدراكات مقارنةً لهذه الحواسِّ وعندها، لا بها ولا بقوًى مُودَعةٍ (1) فيها، وهو سبحانه قادرٌ على خلق هذه المعارف بغير هذه الوسائط، فحَجَب أهلَ التفرقة بهذه الوسائط عن الفعَّال سبحانه حقيقةً، الذي لا فعْلَ في الحقيقة إلّا له، فكأنّه لبَّس على أهل التفرقة، أي أضلَّهم بشهودهم الأسباب، وغيبتهم بها عنه. وكذلك القضايا ــ وهي الوقائع بين العباد ــ علَّقها بالحجج الموجبة لها، فكلُّ قضاءٍ وحكمٍ لابدَّ له من حجّةٍ يستند إليها، فيحجُبُ صاحبَ التفرقة بتلك الحجّة عن المصدر الأوّل الذي منه ابتداء كلِّ شيءٍ، ويقف مع الحجّة، ولا ينظر إلى من حكمَ بها، وجعلها مظهرًا لنفوذ حكمه وقضائه. وكذلك تعليقه الأحكامَ بالعلل، وهي المعاني والمناسبات والحِكَم والمصالح التي لأجلها ثبتت الأحكام، وهو سبحانه واضعُ تلك المعاني، ومضيفُ الأحكام إليها، وإنّما هي في الحقيقة مضافةٌ إليه (2) سبحانه. وكذلك ترتيبه الانتقامَ على الجنايات، وربطُه الثوابَ بالطاعات، كلُّ ذلك مضافٌ إليه وحدَه، لا إلى الجنايات ولا إلى الطاعات، فإضافة ذلك إليها تلبيسٌ على أهل التفرقة. وموضع التّلبيس في ذلك كلِّه أنّ أهل التّفرقة يظنُّون أنّه لولا تلك الوسائط لما وُجِدتْ معرفةٌ، ولا وقعتْ قضيّةٌ، ولا حكمٌ ولا ثوابٌ، ولا