{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا}
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جعله في صورة رجلٍ حصل لهم لبسٌ؛ هل هو ملكٌ أم رجلٌ؟ فقال:
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا}
أي في صورة رجلٍ
{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ}
في هذه الحال
{مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]
على أنفسهم حينئذٍ، فإنّهم يقولون إذا رأوا الملَكَ في صورة الإنسان: هذا إنسانٌ، وليس بملكٍ. فهذا معنى الآية، فأين تجده ممّا عُقِد له الباب؟
فصل
قال (1): (التلبيس: توريةٌ بشاهدٍ معارٍ عن موجودٍ قائمٍ).
لمَّا كانت التَّورية إظهار خلاف المراد، بأن يذكر شيئًا يُوهِم أنّه مراده، وليس هو بمراده، بل وَرَّى بالمذكور عن المراد= فسَّر التلبيس بها، وفي الحديث:
«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد غزوةً وَرَّى بغيرها» (2).
مثاله: أن يريد غزو خيبر فيقول للنّاس: كيف بطريقِ (3) نجدٍ وما بها من المياه؟ ونحو ذلك.
فهاهنا شيئان: أمر سَتَره المورِّي الملبِّس، وأمر ستر به ما ورّى عنه، فأشار المصنِّف إلى الأمرين بقوله: (تورية بشاهدٍ معارٍ عن موجودٍ قائمٍ). فأمّا التّورية فقد عرفتها، وأمّا الشاهد فهو الذي تُورِّي به عن مرادك وتستشهد به، والشاهد المعار هو الذي استُعِير لغيره ليشهد له، فهو شاهدٌ استعير لمشهودٍ قائمٍ. فالتورية: أن تذكر ما يحتمل معنيين، ومقصودك خلاف الذي