{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: 26 - 27]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
قال صاحب «المنازل» (1): (باب الفناء. قال الله تعالى
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: 26 - 27]
).
الفناء المذكور في الآية ليس هو الفناءَ الذي تشير إليه الطائفة، فإنَّ الفناء في الآية: الهلاك والعدم، أخبر سبحانه أنَّ كلَّ من على الأرض يعدم ويموت، ويبقى وجهه سبحانه. وهذا مثل قوله:
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]
، ومثلِ قوله:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]
، قال الكلبيُّ ومقاتل: لمَّا نزلت هذه الآية قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فلمَّا قال:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]
أيقنت الملائكة بالهلاك.
قال الشعبيُّ: إذا قرأت
{(25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [الرحمن: 26]
فلا تسكت حتى تقرأ
{(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: 27]
(2). وهذا من فقهه في القرآن وكمال علمه، إذ المقصود الإخبار بفناء مَن عليها مع بقاء وجهه سبحانه، فإنَّ الآية سيقت لتمدُّحه بالبقاء وحده، ومجرَّدُ فناء الخليقة ليس فيه مدحٌ (3)، إنَّما المدح في بقائه بعد فناء خلقه، فهي نظير قوله:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88].