
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الأولى: علوُّ هممهم. وعلوُّ الهمَّة أن لا تقف دون الله، ولا تتعوّض عنه بشيءٍ، ولا ترضى بغيره بدلًا منه، ولا تبيع حظّها من الله وقربَه والأنسَ به، والفرحَ والسُّرورَ والابتهاجَ به، بشيءٍ من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمّة العالية على الهمم كالطّائر العالي على الطُّيور، لا يرضى بمساقطتهم (1)، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإنّ الهمّةَ كلّما علَت بعُدَت عن وصول الآفات إليها، وكلّما نزلت (2) قصَدَتْها الآفاتُ مِن كلِّ مكانٍ، فإنّ الآفات قواطعُ وجواذبُ، وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه، وإنّما تجتذب من المكان السّافل، فعلوُّ همّة المرء عنوانُ فلاحه، وسفولُ همّته عنوانُ حرمانه.
العلامة الثانية: صفاء القصد، وهو خَلاصُه من الشوائب التي تعوقه عن مقصوده، فصفاء القصد: تجريدُه لطلب المقصود له لا لغيره، فهاتان آفتان في القصد؛ إحداهما (3): أن لا يتجرّد لمطلوبه. الثّاني: أن يطلبه لغيره لا لذاته.
وصفاء القصد يُراد به: العزم الجازم على اقتحام بحر الفناء عند الشيخ ومَن وافقه على أنّ الفناء غايةٌ.
ويراد به: خُلوص القصد مِن كلِّ إرادةٍ تزاحم مراد الرّبِّ تعالى، بل يصير القصد مجرّدًا لمراده الدِّينيِّ الأمريِّ.
وهذه طريقة من يجعل الغاية هي الفناء عن إرادة السِّوى، وعلامته: