
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
الناس يرى أنَّ التورُّع عن الأشياء من قلَّة المعرفة، فإنَّ المعرفة متَّسعة الأكناف، واسعة الأرجاء، فالعارف واسعٌ موسَّعٌ، والسَّعة تطفئ نورَ الورع، فالعارفُ لا تنقض معرفتُه ورعَه، ولا يخالف ورعُه معرفتَه، كما قال بعضهم (1): العارف لا ينكر منكرًا لاستبصاره بسرِّ الله في القدر، فعنده: أن مشاهدة القدر والحقيقةِ الكونيَّة هو غايةُ المعرفة، وإذا شاهد الحقيقة عذر الخليقة لأنَّهم مأسورون في قبضة القدر، فمن يعذر أصحاب الكبائر والجرائم، بل أربابَ الكفر، فهو أبعد خلق الله من الورع، بل ظلمة معرفته (2) هذه قد أطفأ (3) نورَ إيمانه.
وأما «باطن العلم الذي ينقضه ظاهر الحكم»، فإنَّه يشير به إلى ما عليه المنحرفون ممَّن ينتسب (4) إلى السُّلوك، فإنَّهم تقع لهم أذواقٌ ومواجيد ووارداتٌ تخالف الحكمَ الشرعيَّ، وتكون تلك معلومةً لهم لا يمكنهم جحدها، فيعتقدونها ويتركون ظاهر الحكم. وهذا كثيرٌ جدًّا، وهو الذي نعاه أئمَّة الطريق على هؤلاء، وصاحوا بهم من كلِّ ناحيةٍ، وبدَّعوهم وضلَّلوهم به.
وقوله: «ولا تحمله كثرة نعم الله على هتك أستار محارم الله»، كثرة النِّعم تطغي العبد، وتحمله على أن يصرفها في وجوهها وغير وجوهها، وهي تدعو إلى أن يتناول بها ما يحلُّ وما لا يحلُّ. وأكثر المنعَم عليهم لا يقتصر في