{(82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ} [النحل: 83]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
ولهذا كان ضدُّ المعرفة: الإنكار، وضدُّ العلم: الجهل. قال تعالى:
{(82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ} [النحل: 83]
، ويقال: عرف الحقَّ فأقرَّ به، وعرفه فأنكره. الوجه الثالث من الفروق: أنَّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يُوصف به عن غيره. وهذا الفرق غير الأوَّل، فإنَّ ذلك يرجع إلى إدراك الذات وإدراك صفاتها، وهذا يرجع إلى تخليص الذات من غيرها وتخليص صفاتها من صفات غيرها. الفرق الرابع: أنَّك إذا قلت: (علمتُ زيدًا) لم يفد المخاطب شيئًا، لأنَّه ينتظر بعدُ أن تخبره على أيِّ حالٍ علمتَه؟ فإذا قلت: كريمًا أو شجاعًا، حصلت له الفائدة. وإذا قلت: (عرفت زيدًا) استفاد المخاطب أنَّك أثبتَّه وميَّزته من غيره، ولم يبق منتظرًا لشيءٍ آخر. وهذا الفرق في التحقيق إيضاح الفرق الذي قبله. الفرق الخامس ــ وهو فرق العسكريِّ في «فروقه» (1) وفرقُ غيره ــ: أنَّ المعرفة علمٌ بعين الشيء مفصَّلًا عمَّا سواه، بخلاف العلم فإنَّه قد يتعلَّق بالشيء مجملًا. وهذا يشبه فرق صاحب «المنازل»، فإنَّه قال: (المعرفة إحاطةٌ بعين الشيء كما هو). وعلى هذا الحدِّ فلا يُتصوَّر أن يُعرَف الله البتَّة، ويستحيل هذا الباب بالكلِّيَّة، فإنَّ الله سبحانه لا يحاط به علمًا ولا معرفةً ولا رؤيةً، فهو أكبر من ذلك وأعظم وأجلُّ، قال تعالى:
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا