{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وظاهره، فليس عليّ أن أطّلع على ما في نفوسهم، فإذا رأيتُ مَن يوحِّد الله عملتُ على ظاهره، ورددتُ عِلمَ (1) ما في نفوسهم إلى الله. وهذا معنًى حسنٌ.
والّذي يظهر من الآية: أنّ الله يعلم (2) بما في أنفسهم، إذ أهّلهم لقبول دينه وتوحيده، وتصديق رسله، فالله سبحانه حكيمٌ (3)، يضع العطاءَ في مواضعه، وتكون هذه الآية مثل قوله:
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].
فإنّهم أنكروا أن يكون الله سبحانه أهّلهم للهدى والحقِّ، وحرَمه رؤساءَ الكفّار وأهل العزّة منهم والثّروة، كأنّهم استدلُّوا بعطاء الدُّنيا على عطاء الآخرة، فأخبر سبحانه أنّه أعْلَم بمَن يؤهِّله لذلك لسرٍّ عنده؛ من معرفة قدر النِّعمة، ورؤيتها من مجرّد فضل المنعم، ومحبّته وشكره عليها. وليس كلُّ أحدٍ عنده هذا السِّرُّ، فلا يؤهَّل (4) لهذا العطاء.
قوله: (أصحاب السِّرِّ هم الأخفياء الذين ورد فيهم الخبر) قد يريد به حديثَ سعد بن أبي وقّاصٍ، حيث قال (5) ابنه:
أنتَ هاهنا والنّاس ينازعون (6) في الإمارة؟ فقال: إنِّي سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنّ الله يحبُّ