{فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58]

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فصل
والفرق بين العلم والمعرفة لفظًا ومعنًى (1).
أمَّا اللفظ ففعل المعرفة يقع على مفعولٍ واحدٍ، تقول: عرفت الدار، وعرفت زيدًا، قال تعالى:
{فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58]
، وقال:
{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146].
وفعل العلم يقتضي مفعولين، كقوله:
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10].
وإذا وقع على مفعولٍ واحدٍ كان بمعنى المعرفة، كقوله:
{اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 60].
وأمَّا الفرق المعنويُّ فمن وجوهٍ:
أحدها: أنَّ المعرفة تتعلَّق بذات الشيء، والعلم يتعلَّق بأحواله، فتقول: عرفت أباك، وعلمتُه (2) صالحًا (3). ولذلك جاء الأمر في القرآن بالعلم دون المعرفة، كقوله:
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]
، وقوله:
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 98]
، وقوله:
{فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 14].
فالمعرفة: حضور صورة الشيء ومثاله العلميِّ في النَّفس، والعلم: حضور أحواله وصفاته ونسبتها إليه. فالمعرفة تشبه «التصوُّر»، والعلم يشبه