{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
المحبُّ له حالتان: حالة استغراقٍ في محبَّةِ محبوبه، كاستغراق صاحب السُّكر في سكره. وذلك عند استغراقه في شهود جماله (1) وكماله، فلا يبقى فيه متَّسعٌ لسواه، ولا فضل لغيره، فإذا رآه من لم يعرف حاله ظنَّه سكرانًا (2). فهذا استغراقٌ في محبوبه وصفاته ونعوته.
الحالة الثانية: حالة صحوٍ، يفيق فيها على عبوديَّته والقيام بمرضاته والمسارعة إلى محابِّه. وهو في هذه الحالة: به، أي متصرِّفٌ في أوامره ومحابِّه به، ليس غائبًا عنه بأوامره، ولا غائبًا به عن أوامره، فلا يَشْغَلُه واجبُ أوامره وحقوقه عن واجب محبَّته والإنابةِ إليه والرِّضا به، ولا يَشْغَله واجبُ حبِّه عن أوامره. بل هو مقتدٍ بإمام الحنفاء إبراهيم الخليل عليه السلام، فإنَّه كان في أعلى مقامات المحبَّة وهي الخلَّة، ولم يَشْغَله ذلك عن القيام بخصال الفطرة من الختان، وقصِّ الشارب، وتقليم الأظفار، فضلًا عمَّا هو فوق ذلك؛ فوفَّى المقامين حقَّهما، ولهذا أثنى الله سبحانه عليه بذلك فقال:
{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37].
قوله: (وكلُّ ما كان في عين الحقِّ لم يخلُ من حيرةٍ)، يريد بذلك تفضيلَ مقام الصحو على مقام السُّكر، ورفْعَه عليه، وأنَّ السُّكر لمَّا كان في عين الحقِّ كان مستلزمًا لنوعٍ من الحيرة.
ثمَّ استدرك فقال: (لا حيرة الشُّبهة)، فإنَّها تنافي أصل عقد الإيمان،