
مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
فلنرجع إلى ما نحن بصدده، فنقول: السُّكر سببه اللذَّة القاهرة للعقل، وسبب اللذَّة إدراك المحبوب. فإذا كانت المحبَّةُ قويَّةً وإدراكُ المحبوب قويًّا، كانت اللذَّة بإدراكه تابعةً لقوَّة هذين الأمرين (1). فإن كان العقل قويًّا مستحكمًا لم يتغيَّر لذلك، وإن كان ضعيفًا حدث السُّكر المُخرج له عن حكمه، فقد يضاف إلى قوَّة الوارد، وقد يضاف إلى ضعف المحلِّ، وقد (2) يجتمع الأمران.
قال صاحب «المنازل» (3): (وعيون الفناء لا تقبله، ومنازل العلم لا تبلغه).
لمَّا كان الفناء يُفني من العبد كلَّ ما سوى مشهوده، ويُفني معاني كلِّ شيءٍ، وكان السُّكر كما حدَّه بأنَّه سقوط التمالك في الطرب= كان في السَّكران بقيَّةٌ طَرِبَ بها، وأحسَّ بها بطربه، بحيث لم يتمالك في الطرب؛ والفناء يأبى ذلك، فحقائقه لا تقبل السُّكر. والحاصل: أنَّ الفناء استغراقٌ محضٌ، والسُّكر معه لذَّةٌ وطربٌ لا يتمالك صاحبها، ولا يقدر أن يعبِّر (4) عنها.
والمقصود: أنَّ السُّكر ليس من أعلى مقامات العارفين الواصلين، لأنَّ أعلى مقاماتهم هو الفناء عنده، فمقامهم لا يقبل السُّكر.
قوله: (ومنازل العلم لا تبلغه) صحيح، فإنَّ علم المحبَّة والشوق