«حبُّك الشيءَ يُعمي ويُصمُّ»

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
سُكرانِ سكرُ هوًى وسكرُ مُدامةٍ ... ومتى إفاقةُ مَن به سُكران
وقال الآخر (1) من أبياتٍ:
[تسقيك من عينها خمرًا ومن يدها ... خمرًا فما لك مِن سُكرَينِ من بدِّ] (2)
لي سكرتان وللنَّدمان واحدةٌ ... شيءٌ خُصِصتُ به من بينهم وحدي
وفي «المسند» (3) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:
«حبُّك الشيءَ يُعمي ويُصمُّ»
، أي: يعمي عن رؤية مساوئ المحبوب، ويصمُّ عن سماع العذل واللَّوم، وإذا تمكَّن واستحكم (4) أعمى قلبَه وأصمَّه بالكلِّيَّة. وهذا أبلغ من السُّكر، فإذا انضمَّ إلى سكر المحبَّة فرحةُ الوصال قوي السُّكرُ وتضاعف، فيخرج صاحبه عن حكم العقل وهو لا يشعر. وأكثر ما ترى من عربدة العاشق المواصل وتخليطه هو من هذا السُّكر. ولكن لمَّا ألف الناس ذلك واشتركوا فيه لم ينكروه، وإنَّما ينكره من كان خارجًا عنه، فإذا أفاقوا (5) بين الأموات (6) علموا حينئذٍ أنَّهم كانوا في سكرتهم يعمهون.