{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43].

مدارج السالكين في منازل السائرين- المجلد الرابع
[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (31)]
تحقيق: علي بن محمد العمران- محمد عزير شمس - نبيل بن نصار السندي - محمد أجمل الإصلاحي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) - دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الثانية، 1441 هـ - 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 556
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
يستعمل في السُّكر المذموم الذي يمقته الله ورسوله، قال تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43].
وعبَّر سبحانه به (1) عن الهول الشديد الذي يحصل للناس عند قيام السّاعة فقال:
{وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2].
ويقال: فلان أسكره حبُّ الدنيا، وكذلك (2) يستعمل في سكر الهوى المذموم.
فأين أطلق الله سبحانه أو رسوله أو الصحابة أو أئمَّة الطريق (3) المتقدِّمون على هذا المعنى الشريف الذي هو من أشرف أحوال محبِّيه وعابديه= اسمَ السُّكر المستعمل في سكر الخمر وسكر الفواحش؟! كما قال تعالى عن قوم لوطٍ:
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]
، فوصف بالسُّكر أرباب الفواحش، وأرباب الشراب المسكر؛ فلا يليق استعماله في أشرف الأحوال والمقامات، ولا سيَّما في قسم الحقائق. ولا يطلق على كليم الرحمن اسم السُّكر في تلك الحال. والاصطلاحاتُ لا مشاحَّة فيها إذا لم تتضمَّن مفسدةً.
وأيضًا فمن المعلوم أنَّ هذه الحال تحصل في الجنَّة عند رؤية الربِّ تعالى وسماع كلامه على أتمِّ الوجوه، ولا تسمَّى سكرًا.
ونحن لا ننكر المعنى المشار إليه بهذا الاسم، وإنَّما المنكر تسميته بهذا